أحذر من الدببة الذين نصَّبوا من أنفسهم حماة للجيش ودعونا إلى تقديسه، فأساءوا إليه من حيث لا يحتسبون،
إذ زعموا تارة أنه «فوق الجميع»
وحدثونا تارة أخرى عن أنه يمثل «خطا أحمر» لا يجوز الاقتراب منه ناهيك عن تجاوزه،
وقرأنا أن منهم من طالب «بقطع لسان» كل من داس للجيش على طرف أو ذكره بغير المديح والإجلال.
وقال قائلهم إن أي ذكر من ذلك القبيل يعد إهانة له وإهدارا لثوابت الأمة.
لم أجد فرقا بين هؤلاء وبين دراويش الكمالية في ثلاثينيات القرن الماضي. حين كان غلاتهم يعتبرون المساس بالذات الإلهية من قبيل ممارسة حرية الرأي،
في حين اعتبروا توجيه أي نقد «للغازي» مصطفى كمال أتاتورك مساسا بالثوابت الوطنية ينبغي أن يقابل بكل حزم،
كانوا معذورين آنذاك، فذلك المجتمع المحارب بطبعه وجد في الغازي مصطفى كمال الرجل الذي حقق له أمله وجسد كبرياءه، حين قاد في عام 1920 حركة المقاومة الوطنية ضد جيوش الاحتلال التي توجت بتحرير الأناضول واسطنبول ومن ثم أنقذت الدولة من الانهيار.
ولأنه قاد حرب التحرير فقد أصبحت رئاسة الأركان العامة هي مركز القرار السياسي في الداخل والخارج،
حتى إنه في دستور عام 1921 أصبح مصطفى كمال هو
القائد العسكري العام،
ورئيس مجلس النواب
ورئيس هيئة الوكلاء التنفيذيين (مجلس الوزراء)،
وجرى تحصينه ضد المساءلة أمام مجلس النواب،
وبذلك جمع الرجل بين السلطات العسكرية والسياسية والتشريعية وأصبح معلوما للكافة أن الجيش يحمي الدستور والدستور يحمي الجيش، على نحو كاد يوحي بأنه ليس في البلد سوى الجيش.
بعض صفحات هذا التاريخ أصبحت الآن موضوعا للتندر بين الأجيال الجديدة للمثقفين الأتراك.
صحيح أن الجيش لا يزال له احترامه هناك، ولكن الممارسة الديمقراطية نزعت عنه هالة القداسة التي أضفاها عليه البعض.
وأصبح الآن يعامل بحسبانه مؤسسة وطنية شأنها شأن بقية مؤسسات الدولة، وليست متعالية فوق ما عداها.
وهو ما تجلى ليس فقط في تراجع الدور السياسي لرئاسة الأركان، لكنه تجلى أيضا في إخضاع ضباط القوات المسلحة وقادتها للقوانين الحقوقية المقررة في البلاد.
وهو ما أدى إلى محاكمة نحو 300 من العسكريين بتهم التآمر ضد الحكومة، وقبل أسبوعين -في 10/10- أيدت محكمة الاستئناف أحكام السجن لمدة 20 عاما بحق ثلاثة من أولئك القادة بعد إدانتهم في جريمة التآمر التي ارتكبوها قبل 10 سنوات.
من الأمور المثيرة للدهشة حقا، الدالة على الخلل الفادح في ترتيب الأولويات، أن الجدل في وسائل الإعلام حول الغيرة المفتعلة على كرامة الجيش بما استصحبه من مزايدات وترهيب، أخذ حظا من الاهتمام تجاوز بكثير أي قضية حيوية في مصر.
فقد سكت الجميع على إعداد الدستور الجديد في السر،
ولم ينشغل أحد بقضية العدالة الانتقالية المعلقة،
ولم يفهم أحد لماذا يصدر قانون جديد للإرهاب، في حين أن ما هو قائم بالفعل يؤدي الغرض وزيادة.
ولا يزال ملف انتهاكات حقوق الإنسان والمحاكمات العسكرية للمدنيين مؤجلا.
كما أن ما يجري في سيناء لا يزال بعيدا عن اهتمام الرأي العام، في حين أن أهالي سيناء يضجون بالشكوى من المداهمات والاعتقالات والاجتياحات التي تتعرض لها قراهم، ولا يجدون أذنا تصغى إليهم أو يدا تضمد جراحهم.
إنني أخشى أن نكرر خطيئة مبارك، حين جمد كل شيء في البلد طوال السنوات العشر الأخيرة من حكمه، لكي ينصرف إلى ترتيب مستقبل ابنه وتوليه السلطة من بعده.
وهو ما يفعله المزايدون والمهللون والمهووسون هذه الأيام، حين يؤجلون كل شيء يخيروننا بين أن نشارك في حملة مديح الجيش وتسويق الفريق السيسي أو أن نصمت.
وجزاء الذين يفتحون أفواههم بما يخالف هذا السيناريو أن يتعرضوا للتشويه والتخويف والتخوين.
مثلما استفزتني مقولة أن الجيش ينبغي أن يكون فوق الجميع، فقد أثار استيائي أيضا ذلك الادعاء بأن الجيش خط أحمر،
ذلك أنني أزعم أن الخط الأحمر الحقيقي الذي ينبغي ألا نختلف عليه هو كرامة المواطن التي باتت تشكل علامة استفهام كبرى في الوقت الراهن.
أما أن يكون الجيش بمثابة خط أحمر يتفرد به بالمقارنة ببقية المؤسسات الوطنية فذلك تمييز لا مسوغ له، وتزيُّد لا محل له.
لأن احترام مؤسسات الدولة ينبغي أن يظل من مسلمات ومقتضيات إقامة الدولة المدنية التي توقف الحوار بشأنها حتى نسيها كثيرون في غمرة الصراع حول الأنصبة والحظوظ السياسية.
أليس غريبا بعد مضى نحو ثلاث سنوات على الثورة أن نبذل جهدا لإقناع الرأي العام بأن المجتمع لم يسقط دولة الشرطة في عهد مبارك لكي يقيم بدلا منها دولة الجيش؟ - See more at: http://www.elhasad.com/2013/10/blog-post_7546.html#sthash.JN4PjM4t.dpuf
إذ زعموا تارة أنه «فوق الجميع»
وحدثونا تارة أخرى عن أنه يمثل «خطا أحمر» لا يجوز الاقتراب منه ناهيك عن تجاوزه،
وقرأنا أن منهم من طالب «بقطع لسان» كل من داس للجيش على طرف أو ذكره بغير المديح والإجلال.
وقال قائلهم إن أي ذكر من ذلك القبيل يعد إهانة له وإهدارا لثوابت الأمة.
لم أجد فرقا بين هؤلاء وبين دراويش الكمالية في ثلاثينيات القرن الماضي. حين كان غلاتهم يعتبرون المساس بالذات الإلهية من قبيل ممارسة حرية الرأي،
في حين اعتبروا توجيه أي نقد «للغازي» مصطفى كمال أتاتورك مساسا بالثوابت الوطنية ينبغي أن يقابل بكل حزم،
كانوا معذورين آنذاك، فذلك المجتمع المحارب بطبعه وجد في الغازي مصطفى كمال الرجل الذي حقق له أمله وجسد كبرياءه، حين قاد في عام 1920 حركة المقاومة الوطنية ضد جيوش الاحتلال التي توجت بتحرير الأناضول واسطنبول ومن ثم أنقذت الدولة من الانهيار.
ولأنه قاد حرب التحرير فقد أصبحت رئاسة الأركان العامة هي مركز القرار السياسي في الداخل والخارج،
حتى إنه في دستور عام 1921 أصبح مصطفى كمال هو
القائد العسكري العام،
ورئيس مجلس النواب
ورئيس هيئة الوكلاء التنفيذيين (مجلس الوزراء)،
وجرى تحصينه ضد المساءلة أمام مجلس النواب،
وبذلك جمع الرجل بين السلطات العسكرية والسياسية والتشريعية وأصبح معلوما للكافة أن الجيش يحمي الدستور والدستور يحمي الجيش، على نحو كاد يوحي بأنه ليس في البلد سوى الجيش.
بعض صفحات هذا التاريخ أصبحت الآن موضوعا للتندر بين الأجيال الجديدة للمثقفين الأتراك.
صحيح أن الجيش لا يزال له احترامه هناك، ولكن الممارسة الديمقراطية نزعت عنه هالة القداسة التي أضفاها عليه البعض.
وأصبح الآن يعامل بحسبانه مؤسسة وطنية شأنها شأن بقية مؤسسات الدولة، وليست متعالية فوق ما عداها.
وهو ما تجلى ليس فقط في تراجع الدور السياسي لرئاسة الأركان، لكنه تجلى أيضا في إخضاع ضباط القوات المسلحة وقادتها للقوانين الحقوقية المقررة في البلاد.
وهو ما أدى إلى محاكمة نحو 300 من العسكريين بتهم التآمر ضد الحكومة، وقبل أسبوعين -في 10/10- أيدت محكمة الاستئناف أحكام السجن لمدة 20 عاما بحق ثلاثة من أولئك القادة بعد إدانتهم في جريمة التآمر التي ارتكبوها قبل 10 سنوات.
من الأمور المثيرة للدهشة حقا، الدالة على الخلل الفادح في ترتيب الأولويات، أن الجدل في وسائل الإعلام حول الغيرة المفتعلة على كرامة الجيش بما استصحبه من مزايدات وترهيب، أخذ حظا من الاهتمام تجاوز بكثير أي قضية حيوية في مصر.
فقد سكت الجميع على إعداد الدستور الجديد في السر،
ولم ينشغل أحد بقضية العدالة الانتقالية المعلقة،
ولم يفهم أحد لماذا يصدر قانون جديد للإرهاب، في حين أن ما هو قائم بالفعل يؤدي الغرض وزيادة.
ولا يزال ملف انتهاكات حقوق الإنسان والمحاكمات العسكرية للمدنيين مؤجلا.
كما أن ما يجري في سيناء لا يزال بعيدا عن اهتمام الرأي العام، في حين أن أهالي سيناء يضجون بالشكوى من المداهمات والاعتقالات والاجتياحات التي تتعرض لها قراهم، ولا يجدون أذنا تصغى إليهم أو يدا تضمد جراحهم.
إنني أخشى أن نكرر خطيئة مبارك، حين جمد كل شيء في البلد طوال السنوات العشر الأخيرة من حكمه، لكي ينصرف إلى ترتيب مستقبل ابنه وتوليه السلطة من بعده.
وهو ما يفعله المزايدون والمهللون والمهووسون هذه الأيام، حين يؤجلون كل شيء يخيروننا بين أن نشارك في حملة مديح الجيش وتسويق الفريق السيسي أو أن نصمت.
وجزاء الذين يفتحون أفواههم بما يخالف هذا السيناريو أن يتعرضوا للتشويه والتخويف والتخوين.
مثلما استفزتني مقولة أن الجيش ينبغي أن يكون فوق الجميع، فقد أثار استيائي أيضا ذلك الادعاء بأن الجيش خط أحمر،
ذلك أنني أزعم أن الخط الأحمر الحقيقي الذي ينبغي ألا نختلف عليه هو كرامة المواطن التي باتت تشكل علامة استفهام كبرى في الوقت الراهن.
أما أن يكون الجيش بمثابة خط أحمر يتفرد به بالمقارنة ببقية المؤسسات الوطنية فذلك تمييز لا مسوغ له، وتزيُّد لا محل له.
لأن احترام مؤسسات الدولة ينبغي أن يظل من مسلمات ومقتضيات إقامة الدولة المدنية التي توقف الحوار بشأنها حتى نسيها كثيرون في غمرة الصراع حول الأنصبة والحظوظ السياسية.
أليس غريبا بعد مضى نحو ثلاث سنوات على الثورة أن نبذل جهدا لإقناع الرأي العام بأن المجتمع لم يسقط دولة الشرطة في عهد مبارك لكي يقيم بدلا منها دولة الجيش؟ - See more at: http://www.elhasad.com/2013/10/blog-post_7546.html#sthash.JN4PjM4t.dpuf