يفرق أهل الاختصاص بين الأسباب المباشرة والأسباب العميقة لأى ظاهرة أو حدث أو موقف، والتى تجسدها مقولة: «القشة التى قصمت ظهر البعير»؛ فالبعير ظل يتحمل ما وُضع على ظهره تباعاً، وصولاً إلى أنه حين تم وضع «قشة» على ظهره لم يتحملها، فانقصم ظهره. ويكون السؤال ما الذى قصم ظهر البعير؟ وإذا كانت الإجابة المريحة هى «القشة»، فإنها ليست الإجابة الصحيحة.
وحين تكون الظواهر أكثر عمومية ولها تأثيرات على نطاق واسع، فإن البحث عن الإجابة الصحيحة يتطلب تفكيراً أعمق وبشكل منهجى أكثر. لذا تم اختراع فكرة «تحليل جذور المشكلة» أو «ROOT-CAUSE ANALYSIS». ومن ضمن الأمثلة الكلاسيكية التى تصور بعض تعقيدات الموضوع، هذه القصة. حيث كان هناك صاحب عمل يواجه صعوبات فى عمله، فيقوم بتوزيع الطاقة السلبية التى لديه على من حوله، صرخ فى أحد مساعديه بشكل ساءه، فما كان من مساعده إلا أن ترجم نفس طاقته السلبية إلى طاقة سلبية أكبر فى حواره مع أحد معاونيه، وهكذا فعل المعاون مع سائقه وفعل السائق مع زوجته الذى فعلته مع ابنها الذى ركل قطته فى النهاية ضيقاً منها.
ويكون السؤال: من الذى ركل القطة؟
طبعاً التحليل السابق تحليل بسيط نسميه أحادى السببية لأن كل الأسباب تسير فى اتجاه واحد من شخص لآخر أو من حدث لآخر، ولكن عادة ما تكون الأسباب متعددة، فنجد أنفسنا أمام فعالين مختلفين. ثم قد تتعقد الأمور أكثر ونجد أنفسنا أمام فعالين متفاعلين يغيرون سلوكهم نتيجة تفاعلهم مع فعالين آخرين، وهو ما حدث فى مصر بعد الثورة. ولو أخذنا مثلاً مرتبطاً بما حدث بعد الثورة وبحثنا فى جذور المشكلة، منا من سيبدأ بقيادات جبهة الإنقاذ الذين كانوا هم من رفضوا تعديلات دستور 1971 فى مارس 2011 وكان الدستور آنذاك يعطى لهم بعضاً مما كانوا يناضلون من أجله اليوم وهو منع قيام أحزاب على أساس دينى أو بمرجعية دينية. ثم طالبوا بتطويل الفترة الانتقالية حتى يستعدوا للانتخابات، وحتى الآن لم تزل هذه الأحزاب على ضعفها، بل إن عزوف المصريين عن السياسة سيخلق لها بيئة أسوأ مما كانت عليه من قبل. ومثلاً الداعون لمليونيات واعتصامات وغلق الطرق بشكل مبالغ فيه بما جعلنى آنذاك أقول إن المبالغة فى استخدام الأدوات الثورية ستكون لها انعكاسات سلبية لأن الناس سيكرهون الثورة وسيتمنون العودة إلى ما كان قبلها. وبدلاً من التحول من التطهير إلى التطوير ومن الميادين إلى الدواوين، ظل كثير منهم يتعاملون مع كل من يوجه لهم نصيحة وكأنه يريد «الركوب على الثورة».
وهكذا...
إذن هذه الأداة تجعلك تكرر سؤال «لماذا» على كل إجابة حتى تصل إلى وضع من ثلاثة:
أولاً، أن تصل إلى إجابات تجد فيها أن كل طرف تصرف على النحو الذى يتفق مع مصالحه تماماً، وبالتالى يكون جوهر المشكلة هو تضارب هذه المصالح أصلاً، رغماً عن اتفاقها المؤقت، وعدم قدرة الأطراف المختلفة على توفيق مصالحهم لأسباب تتعلق بطبيعة هذه المصالح نفسها.
ثانياً، أن تصل إلى إجابات تعود فيها إلى أمور «وجودية» وعميقة لدرجة لا يمكن إصلاحها ولا الذهاب وراءها، وأكثر هذه الأمور وجودية هو الثقافة السائدة فى مجتمع ما، والتى هى تشبه الهواء الذى يتنفسه الناس من حيث الشمول وصعوبة الإصلاح؟
ثالثاً، لا يوجد ما يكفى من معلومات لتذهب فى التحليل إلى أعمق مما ذهبنا إليه إلا من خلال التفكير الدائرى.
أردت أن أترك لحضراتكم هذه الأفكار عسى أن تساعد شخصاً ما فى مكان ما على تبصر أسباب بعض مما نكابده.
وحين تكون الظواهر أكثر عمومية ولها تأثيرات على نطاق واسع، فإن البحث عن الإجابة الصحيحة يتطلب تفكيراً أعمق وبشكل منهجى أكثر. لذا تم اختراع فكرة «تحليل جذور المشكلة» أو «ROOT-CAUSE ANALYSIS». ومن ضمن الأمثلة الكلاسيكية التى تصور بعض تعقيدات الموضوع، هذه القصة. حيث كان هناك صاحب عمل يواجه صعوبات فى عمله، فيقوم بتوزيع الطاقة السلبية التى لديه على من حوله، صرخ فى أحد مساعديه بشكل ساءه، فما كان من مساعده إلا أن ترجم نفس طاقته السلبية إلى طاقة سلبية أكبر فى حواره مع أحد معاونيه، وهكذا فعل المعاون مع سائقه وفعل السائق مع زوجته الذى فعلته مع ابنها الذى ركل قطته فى النهاية ضيقاً منها.
ويكون السؤال: من الذى ركل القطة؟
طبعاً التحليل السابق تحليل بسيط نسميه أحادى السببية لأن كل الأسباب تسير فى اتجاه واحد من شخص لآخر أو من حدث لآخر، ولكن عادة ما تكون الأسباب متعددة، فنجد أنفسنا أمام فعالين مختلفين. ثم قد تتعقد الأمور أكثر ونجد أنفسنا أمام فعالين متفاعلين يغيرون سلوكهم نتيجة تفاعلهم مع فعالين آخرين، وهو ما حدث فى مصر بعد الثورة. ولو أخذنا مثلاً مرتبطاً بما حدث بعد الثورة وبحثنا فى جذور المشكلة، منا من سيبدأ بقيادات جبهة الإنقاذ الذين كانوا هم من رفضوا تعديلات دستور 1971 فى مارس 2011 وكان الدستور آنذاك يعطى لهم بعضاً مما كانوا يناضلون من أجله اليوم وهو منع قيام أحزاب على أساس دينى أو بمرجعية دينية. ثم طالبوا بتطويل الفترة الانتقالية حتى يستعدوا للانتخابات، وحتى الآن لم تزل هذه الأحزاب على ضعفها، بل إن عزوف المصريين عن السياسة سيخلق لها بيئة أسوأ مما كانت عليه من قبل. ومثلاً الداعون لمليونيات واعتصامات وغلق الطرق بشكل مبالغ فيه بما جعلنى آنذاك أقول إن المبالغة فى استخدام الأدوات الثورية ستكون لها انعكاسات سلبية لأن الناس سيكرهون الثورة وسيتمنون العودة إلى ما كان قبلها. وبدلاً من التحول من التطهير إلى التطوير ومن الميادين إلى الدواوين، ظل كثير منهم يتعاملون مع كل من يوجه لهم نصيحة وكأنه يريد «الركوب على الثورة».
وهكذا...
إذن هذه الأداة تجعلك تكرر سؤال «لماذا» على كل إجابة حتى تصل إلى وضع من ثلاثة:
أولاً، أن تصل إلى إجابات تجد فيها أن كل طرف تصرف على النحو الذى يتفق مع مصالحه تماماً، وبالتالى يكون جوهر المشكلة هو تضارب هذه المصالح أصلاً، رغماً عن اتفاقها المؤقت، وعدم قدرة الأطراف المختلفة على توفيق مصالحهم لأسباب تتعلق بطبيعة هذه المصالح نفسها.
ثانياً، أن تصل إلى إجابات تعود فيها إلى أمور «وجودية» وعميقة لدرجة لا يمكن إصلاحها ولا الذهاب وراءها، وأكثر هذه الأمور وجودية هو الثقافة السائدة فى مجتمع ما، والتى هى تشبه الهواء الذى يتنفسه الناس من حيث الشمول وصعوبة الإصلاح؟
ثالثاً، لا يوجد ما يكفى من معلومات لتذهب فى التحليل إلى أعمق مما ذهبنا إليه إلا من خلال التفكير الدائرى.
أردت أن أترك لحضراتكم هذه الأفكار عسى أن تساعد شخصاً ما فى مكان ما على تبصر أسباب بعض مما نكابده.